المحبة و الأخوة و مساعدة الغير صفات يجب أن توجد في كل و احد منا , و سأروي هذه القصة التي تعبر عن تلك الصفات :
كان يا ما كان في قديم الزمان أختان لطيفتان و يتيمتان تحبان بعضهما كثيراُ و كانتا مطيعتان لوالدتهما و كل من في قريتهما كان يحبهما لتهذيبهما و حسن تصرفهما.
كانت الأخت الكبرى التي لم تتجاوز الرابعة عشرة تحب الأزهار كثيراً و كانت تعتني بحديقة المنزل التي كانت تحوي أنواعاً مختلفة من الأزهار و كان المارة
يقفون دقائق مشدوهين لجمالها و روعتها و كانت زهرة الياسمين هي المفضلة لديها لأنها تشاركها اسمها , أما الأخت الصغرى كانت في العاشرة من عمرها و اسمها حنين و أكثر ما كانت تحبه هو مراقبة ياسمين و هي تتنقل بين الأزهار و تعتني بها .
و ذات اليوم كانت الأختان تسيران في الغابة و تجمعان بسعادة التوت البري , و فجأة سمعتا صوت أنين و عندما حاولت ياسمين البحث عن مصدر الصوت أوقفتها حنين و قالت : أوصتنا أمنا ألا نتوغل في الغابة كما أنه لا شأن لنا بمصدر الصوت .
فأجابت ياسمين : مساعدة الآخرين عمل يحبه الله و لا يجب أن نترك محتاجاً دون مساعدة كما أننا لن نبتعد كثيراً فلا تقلقي.
لكن الفتاتان ابتعدتا عن الطريق الصحيح و ضلتا الطريق كما أنهما لم تعثرا على مصدر الصوت و هكذا حل الظلام و الفتاتان الخائفتان تسيران لكن دون فائدة
فقالت حنين بشئ من اللوم : يبدو أن مساعدة الآخرين لا تجلب الخير . فردت ياسمين بحزم : لا تقولي هذا يا أختي فمساعدة الغير مهمة كما أنك ستحتاجين للمساعدة يوماً لذلك .. توقفت الأخت عن الكلام و قالت بفرح : انظري يا حنين يوجد بيت هناك يمكننا أن نطلب العون من ساكنيه . و قبل أن تسمع رد أختها كانت
تجري مسرعة ممسكة حنين من يدها , و عندما وصلتا قرعتا الباب كثيراً لكن أحداً لم يجب لكن الباب فتح من تلقاء نفسه ,ترددت الأختان في الدخول لكن عندما سمعتا صوت ذئب يقترب أسرعتا بالدخول . كان المنزل نظيفاً و مرتباً و كان الطعام مجهزاً على الطاولة , صحيح أن الفتاتان كانتا جائعتين لكنهما لم تقتربا من الطعام كما أنهما جلستا في الزاوية و السلتان في يديهما فأكلتا من التوت البري الذي جمعتاه فأنهتا سلة كاملة ثم غطتا في نوم عميق و هما تنتظران عودة صاحب المنزل و في الصباح استيقظت الأختان لتجدا أن الطعام قد اختفى و المنزل لازال غير مأهول لكن سلة التوت الفارغة كانت قد امتلأت بتوت أحمر و ناضج.
تناقشت الفتاتان بأمر التوت و اتفقتا أن صاحب المنزل قد قدمها هدية لهما فحملتا السلة و خرجتا من المنزل و كان هناك طريق واضح أمامهما ينتهي خارج الغابة
أسرعت الفتاتان في المسير حتى خرجتا من الغابة و السعادة تغمرهما و عندما اقتربتا من المنزل كانت قد أنهكتا فجلستا قليلاً و بدأت ياسمين تأكل من التوت الذي عثرتا عليه في المنزل الغريب فقالت لها حنين : أليس من الأفضل أن ننتظر حتى نخبر أمنا عن التوت قبل أن نأكله ؟ خجات ياسمين من نفسها و بدأت تأكل مع أختها من التوت الذي جمعتاه .
بعد الاستراحة تابعت الأختان طريقهما و عندما و صلتا وضعتا السلتين عند الباب و ركضتا في المنزل بحثاً عن أمهما و عندما وجدتاها كان القلق قد أنهك عينيها
فضمتاها بقوة و أخبرتاها بكل ما حدث و عندما ذهبتا لإحضار سلة التوت الغريبة و جدتاها فارغة تعجبت الأسرة كثيراً لكن سعادتهم بالعودة سالمين أنستهم قلقهم فاحتفلوا و أكلوا ثم ناموا .
أشرقت شمس الصباح و اسيقظت حنين و عندما كانت متجهة إلى الحمام سمعت صوتاً غريباً من الحديقة ونظرت من النافذة و إذ بها ترى أختها ياسمين تمسك عصاً و تضرب يها الأزهار أسرعت الأم و الأخت لإيقافها لكن الغضب المسيطر على ياسمين كان أقوى فوقفتا عاجزتين خاصة أن ياسمين لم ترد على كلماتهما أو أنها كانت ترد بجفاء و بكلمات لم تعتد قولها .
مضى أسبوع و ياسمين على هذه الحالة فكانت تشاجر أمها دائماً و تضرب أختها و تسئ معاملة الآخرين.
و ذات يوم عندما كانت الأم و ابنتها تتشاجران في الداخل خرجت حنين من المنزل و الحزن يعتصر قلبها لما أصاب أختها عندها رأت قرب منزلها رجلاً عجوزاً منهكاً و يكاد يسقط على الأرض عندها تذكرت كلام أختها عن مساعد الغير فأسرعت إليه و ساعدته في الجلوس ثم أحضرت له ماءً و بعض الطعام
فشكرها العجوز كثيراً و بعد أن أنهى طعامه و شرابه شكرها مجدداً ثم سألها إن كانت هناك شئ يستطيع أن يساعدها به , ترددت حنين في البداية لكنها أخبرته عن قصة أختها و عن تبدلها منذ عودتهما من الغابة و كان العجوز يسمعها باهتمام ثم قال لها :
لقد سمعت من قبل عن بيت مسحور كهذا و أظن أن تبدل أختك ناجم عن تناولها طعاماً منه و الحل الوحيد هو أن تعودي إلى ذلك المنزل و تحضري منه مرآة
و عندما ستنظر أختك فبه ستعود إلى طبيعتها , لكن انتبهي يا ابنتي أن تأخذي شيئاً آخر و عليك أن تذهبي مع شروق الشمس و تعودي قبل غروبها و إلا تحولتي لآخر شئ تلمسيه .
سمعت حنين كلام العجوز و قررت أن تفعل كما قال , و بقيت مستيقظة كل الليل و هي تفكر بأمل عودة شقيقتها و عنما أشرقت الشمس كانت تقف أمام المنزل و قد أخذت بعض الخبز و اللحم لتأكل منه ثم بدأت مسيرها بإصرار و شجاعة و عندما دخلت في الغابة سمعت صوتاً غريباً فاتجهت إليه فرأت ثعلباً يريد الانقضاض على أرنب صغير فأسرعت و حاولت إبعاده ثم رمت له بقطعة اللحم فأخذها و غادر و عندما التفتت إلى الأرنب هرب الأرنب و ترك خلفه جوهرة صغيرة أمسكت بها و ترددت في أخذها لكنها رأت الأرنب من بعيد ينظر إليها و كأنه يطلب منها أن تأخذها فأخذتها و تابعت مسيرها و بعد فترة عثرت على المنزل فدخلته بحذر و تجولت في أنحائه حتى عثرت على مرآة صغيرة فحملتها و همت بالخروج عندها رأت المائدة قد امتلأت بأنواع الطعام المختلفة لكنها آثرت الخروج و أكل قطعة الخبز المتبقية معها , أسرعت حنين لكن الشمس شارفت على الغروب و لم تصل بعد إلى المنزل و عندما و صلت حديقة المنزل كانت أخر أشعة الشمس قد غادرت السماء و سقطت حنين على الأرض و قد أنهكت و سقطت منها المرآة ثم لمست بيدها برعماً صغيراً كان قد ظهر بين الأزهار الذابلة .
خرجت ياسمين من المنزل غاضبة كعادتها عندها رأت مرآة صغيرة ملقاة على الأرض فحملتها تريد رميها لكن عندما نظرت فيها تبدل شئ داخلها و بدأت الدموع تسيل من عينيها لتسقط على الأزهار الذابلة و عندما تأملت الحديقة المدمرة شعرت بسوء أخطائها فاتجهت إلى والدتها و اعتذرت منها و بحثت عن أختها لكن لم تجدها و مرت عدة أيام و حنين مفقودة حتى يأس الكثيرون في العثور عليها لكن ياسمين لم تيأس و قررت الاعتناء بالحديقة لتعود كما كانت و تراها أختها حينما تعود و بدأت بإزالة الأزهار الذابلة فعثرت على برعمين صغيرين ففرحت بهما و بدأت العناية بهما و سقايتهما و أزالت الأشواك من حولهما.
و بعد فترة تفتح البرعمان و عندما جاءت ياسمين تريد قطف الزهرتين وجدت داخل إحدى الزهرتين جوهرة صغيرة فأخذتها و تأملتها بتعجب
ثم قالت : كل الجواهر الثمينة لا تعوض عن أختي . و سالت دمعة على خدها و سقطت على الجوهرة فبدأت تتوهج ثم بدأت الزهرة تتحول إلى أختها , صحيح أن العجب سيطر على ياسمين لكن رؤية أختها كان أجمل شئ حصل معها , تعانقت الأختان و أخبرت كل واحدة ما حصل معها للأخرى ثم جاءت الأم
ففرحت بعودة ابنتها الصغيرة كثيراً.
منذ ذلك اليوم لم تفترق العائلة مجدداً و كانت الأختان تعتنيان بالحديقة معاً حتى أصبحت الحديقة من أجمل حدائق الأرض و يقال بأن أحداً لم يعثر على المنزل المسحور في الغابة مجدداً .